عن السحر في عالمنا

لطالما أردت تعلُّم السَّحِر. حين كنت طفلاً أشاهد هاري بوتر تمنَّيت حقاً أن تأتيني رسالة للانضمام لمدرسة هوجوورتس. كنت أجلس أمام شاشة التلفاز، مغمورًا في عالمه الساحر، مأخوذًا بتلك العجائب والخوارق التي تملأ حياته .. كلَّما حرَّك هاري عصاه تخيلت نفسي مكانه، أجوب أروقة المدرسة العتيقة، وأتعلَّم تعاويذًا سحريَّة تأخذني إلى عوالم لم أرها من قبل .. كان عالم السحرَة إدمانيَّاً بالنسبة لي، قرأت كلّ رواياته فور صدورها بالعربية، وحلمتُ أكثر من مرّة بأنني أطير راكباً مكنسةً سحريَّة. كانت تلك الأيام مليئة بالدهشة والخيال.

أتذكَّر أنه في أحد الأصياف (2008-2009) عندما صدرت الرواية قبل الأخيرة بالعربية قرأتها بأقلّ من عشرة أيام .. إنجاز كبير لفتى الرابعة عشر .. كان صوت هاري ورون وهرميوني يملأ الأرجاء، وكانت حواراتهم تشعرني بأنني جزء من تلك القصة، تلك المغامرة التي كنت أتمنى أن أعيشها.

مع مرور السنين، وجدتُ سحري الخاص في عالم الجرافيك. لم أكن بحاجة إلى عصا سحرية أو تعاويذ غامضة. بدلاً من ذلك، كان سحري يتطلب فأرة حاسوب وفوتوشوب. أوّل تماسٍّ لي مع التصميم كان عبر الباوربوينت عندما استلمت تصميم مجلّة المدرسة في المرحلة المتوسطة، كان يصدر منها ٣ أعداد في الفصل الواحد وكنت بمثابة “مدير تحرير” لها. (للأسف بحثت عنها كثيراً وعدت لأصدقاء الطفولة لكنني لم أجد شيئاً) .. في تلك الأيام كنت الوحيد الذي يُسمَح لي بالجلوس ساعات طويلة في مكتبة المدرسة أمام الحواسيب، اكتشفت وقتها شغفي بالتكنولوجيا والفنون. كنت أقضي ساعات طويلة أمام الكمبيوتر، أتعلم استخدام البرامج المختلفة، وأحاول تحسين مهاراتي في التصميم من أجل مجلَّة المدرسة.

كانت تلك الفترة مليئة بالتحديات، كنت أشعر بانتشاءٍ عندما أترك الحصص وأقعد في مكتبة المدرسة أعمل على الحاسب وحيداً، كانت الأصوات الصادرة من الكمبيوتر تشبه همسات التعاويذ في أذني. كنت أعمل على مشاريع مدرسية، أصمم المجلة، وأبتكر ملصقات على برامج الوورد والباوربوينت البدائيين جداً، وأشعر بأنني أعيش جزءًا من تلك الأحلام السحرية. كل لون أختاره، كل خط أرسمه، كل تأثير أضيفه، كان يشبه إلى حد بعيد تلك التعويذات التي كان هاري يتعلمها في هوجوورتس.

أمضيت تلك الفترة كلها أعمل على تصاميم شخصية كنوع من التدريب أو تصاميم للعائلة والأصدقاء (نعم يا سادة، أنا أحد الأشخاص الذين كانوا يصممون تلك الصور الـ “كرنج” مثل صورة وردة بجانبها صباح الخير 😂) أتذكر أول مشروع تصميم حقيقي قمت به. كان بالسنة الأولى من الجامعة، عندما طُلب مني تصميم شعار لمطعم وجبات سريعة. كنت متوتر ومتحمس بنفس الوقت. جلست لساعات طويلة، أفكر في الألوان والأشكال التي يمكن أن تعبر عن اسم المطعم. بعد محاولات عديدة، وصلت إلى التصميم النهائي. عندما قدمت العمل للعميل، ورأيت الفرحة في عينيه، شعرت بأنني أعيش تلك اللحظة السحرية التي كنت أبحث عنها (بالطبع الآن بعد عودتي لذات التصميم بتِّ أراه واحد من أفشل التصاميم التي عملت عليها على الإطلاق).

في عالم التصميم، كانت كل فكرة تجول في رأسي أحاول تحويلها للوحة فنيّة، تماماً مثل تعويذة ريديكولوس أو إكيو التي تستدعي الأشياء، الفرق الوحيد هو أنني لم أكن بحاجة لعصى .. الأدوات والسحر كانا في يديّ منذ البداية، وكل ما احتجت إليه هو التنفيذ.

اليوم، بصفتي مصمم جرافيك متمرّس، أشعر بأنني أعيش تلك الأحلام الطفولية كل يوم. كل مشروع جديد هو مغامرة، وكل تصميم هو تعويذة جديدة. ومع كل نجاح أحققه، أرى نفسي ذلك الطفل الصغير الذي كان يجلس متسمّرًا أمام شاشة التلفاز، يحلم بالعجائب. الآن، أنا أصنع سحري الخاص .. السحر الحقيقي لا يوجد فقط في كتب هاري بوتر وأفلامه، بل هو موجود في كل لحظة إبداع نعيشها، في كل فكرة نحولها إلى واقع، وفي كل حلم نحققه بجهودنا وإصرارنا. هذا هو السحر الحقيقي، السحر الذي يجعل حياتنا مليئة بالعجائب والإلهام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ