رواية 1Q84

نظرة على العالم الموازي 1Q84 1/3

لماذا قمرين ؟

كان هذا أوّل سؤال أطرحه في ثلاثيّة 1Q84 لهاروكي موراكامي ذات الـ١٥٠٠ صفحة، والآن بعد إنهائها ليس هناك جواب صريح لهذا، كعادة أعمال موراكامي حيث أنك لن تجد أجوبةً لجميع الأسئلة. ولكن قبل القمرين .. ما هو عالم 1Q84؟

رواية 1Q84
رواية 1Q84

تقول بطلة الرواية القصيرة “نعاس” عندما وجدتْ أنها تمتلك وقتاً طويلاً لذلك قرّرت قراءة رواية آنا كارنينا الطويلة، تقول: “ما أغربها من رواية … البطلة هنا لا تظهر إلا بعد الصفحة السادسة عشر بعد المئة … فهل كان قُرّاء القرن التاسع عشر يجدون ذلك عادياً؟! … من الجائز أن أناس ذلك العصر كان لهم ما يكفي من الوقت … كان كذا الأمر بالنسبة لأبناء الطبقة الاجتماعية القارئة للروايات.

وهذا بالضبط ما يفعله موراكامي بقرّائه، فعلى القارئ أن يمتلك وقتاً طويييلاً حتى يستطيع إنهاء ثلاثيّته ذات الـ1500 صفحة في زمن مزدحم تضيع فيه القصّة مالم تُقرأ بشكل متواصل. وهذا ما فعلته أومامه عندما احتُجِزَت في شقّتها لأكثر من شهرين، قررت قراءة رواية البحث عن الزمن المفقود التي تحوي أكثر من 4000 صفحة.

لكن، هل ثلاثيّة العالم الموازي 1Q84 تستحق إهدار كل هذا الوقت؟

جواب هذا يتوقّف على رؤيتك للأحداث ومدى تقبّلك للقصة، فبنظرة عامّة أستطيع شرح القصة على النحو التالي: هي مجرّد قصة لشخصين يُحبّان بعضهم البعض وعبر مجموعة من الأحداث افترقا لـ٢٠ سنة حاولا خلالها الوصول لبعضهما، فهل ينجحان؟ هكذا القصة لا أكثر ولا أقل. وموراكامي نفسه لخّص رسالة الرواية في آخر ١٠ صفحات بعد أن كتب رواية مليئة بالتفاصيل والسرد والوصف، ليُخبرنا أن كل هذا لا يهم، وأن المهم حقاً هو أن تشعر بالحياة وأنك لن تشعر بالحياة إلا بوجود الشخص الذي تُحبّه جوارك، أو على الأقل تعيش على أمل لقاء ذلك الحُب الذي انتظرته طويلاً.

رواية 1Q84

لكن وبرؤية أعقد، فهذه الرواية تنقسم لعدّة طبقات، ففيها الواقعية، والسريالية، والرعب. إنها قصّة عن العوالم الموازيَة، قصة مليئة بالخيال حيث انعدم المنطق فيها منذ ظهور القمرين في السماء، قصة يخرج فيها الناس الصغار من فم الأموات، قصة عن الأديان والطوائف والجماعات السريّة، عن العنف ضد النساء، عن تجوّل الأرواح واضطرابها بعد موتها .. وأخيراً هيَ قصّة حب.

رواية 1Q84

الأسلوب السردي القصصي جميل، لدينا خطّان سرديان (يضاف إليهم المحقق الخاص يوشيكاوا في الجزء الثالث) وطريقة دمج الخطوط الزمنيّة رائعة وتوزيع الفصول لإبقاء عنصر الإثارة موجوداً لدى القارئ. والترجمة العربية ممتازة ولم أشعر خلالها بأني أقرأ نصّاً مترجماً (بعكس ترجمة ظل الريح مثلاً التي لم أستطع إكمالها بسبب سوء الترجمة). لكن موراكامي كثيراً ما يغرق بتفاصيل التفاصيل، كأن تنتهي صفحةٌ كاملة في وصف ملابس الشخصية الفلانية أو وصف للمنزل أو المستشفى أو الحديقة، هذه التفاصيل الدقيقة تُسبب إرباك للقارئ والكثير من الملل، لكن يمكننا التغاضي عنه بما أن لدى موراكامي قصة مثيرة ليرويها!

رواية 1Q84

بالطبع، دائماً كان عنصر المقارنة مع كافكا على الشاطئ حاضراً أثناء قراءتي لـ 1Q84، وعلى عكس الأسلوب في شاطئ كافكا، هنا أغلب الأسئلة مُجابَة، وأغلب الألغاز محلولة. هل هو شيء جيّد؟ لا أعرف لكنّي أحببت الشاطئ أكثر، وربما الكثيرون ممن أعجبتهم شاطئ كافكا لن يعجبهم هذا العالم الموازي، والعكس صحيح، فالرمزيّة هنا مُغايرة لرمزيّة الشاطئ، ففي ذلك العمل على القارئ استنباط واستنتاج الرمزيّات الكثيرة في الرواية، أما هنا عليه بالصبر فقط والاستمرار في القراءة لتتكشّف تلك الأسئلة، فمثلاً ومنذ بداية الجزء الأول نتعرّف على “الشرنقة الهوائية” وعلى “الناس الصغار”، لكن لا نعرف من هم حقاً إلا في نهاية الجزء الثاني، الأمر الذي تطلّب منّي قراءة ٨٠٠ صفحة للوصول إليه. وهذه أحد ميّزات الرواية: كيف استطاع موراكامي الحفاظ على فضول قارئه طيلة هذه المدة؟!

ليست جميع الخطوط منتهية طبعاً، لكن على الأقل شخصيّاتنا الرئيسية المحبوبة حصلت على نهاية مرضية (هل هي كذلك حقاً؟!). هناك الكثير من النهايات المفتوحة، مثل يوشيكاوا وفوكا-إري وكوماتسو والبروفيسور إيبسونو، نهايات مفتوحة لكنّها مرضية تماماً. كما بقيت بعض الأسئلة غير مُجابة بطريقة مباشرة، فماذا حدث لصديقة تنغو المرأة التي تكبره سنّاً؟! ماذا حدث لوالدة تنغو؟! وهو والده هو والده البيولوجي حقاً؟! من ذاك الشبح الذي يطرق باب أومامه وفوكا-إيري؟! كيف دخلت أومامه للعالم الموازي؟! أو بالأحرى لماذا دخلت في الأساس؟! وما هيَ آلية الدخول والخروج منه؟! ماذا تُمثل المازا والدوهتا؟! وأخيراً وهو سؤال البداية، لماذا قمرين؟! هناك الكثير من الأسئلة المنطقية في هذا العمل الخالي من المنطق.

.

هنا ينتهي تقييمي للرواية 5/5 عن جدارة .. لكني لم أنتهي، الآن بعد هذا سوف أغرق في التفاصيل كما أغرَقنا موراكامي معه في الرواية، في الأجزاء القادمة سوف أناقش الأفكار التي طرحها موراكامي.

ثم قال أحد الناس الصغار من مكان ما: هاها

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.