نسوية

نسويَّة نُص كُمّ

إليكم هذه القصَّة الحقيقية جداً، المثيرة جداً، الطريفة جداً، القبيحَة جداً:

أنا شابٌّ في أواخِر العشرينيَّات جميل وجذَّاب، ولا يمكِن لأيِّ أُنثى إنكار ذلك، وهذه حقيقةٌ مُطلَقة. وقد وصلتْ الحال بي أن أخشى المَشيَ في الطُرقات والأسواق كي لا تُحدِّق النساء بي وأفتِنهُنَّ بجمالي الساحِر، وكنت أخشى على نفسي من عيونِهنَّ وحسَدهنَّ. وهذه شهادَةٌ من صديقتي الأسكتلنديَّة الشقراء ذات العيون الزرقاء، فقد قالت لي مرَّة أن شفاهي الناعِمة وتراسيم وجهي المنحوتَة وعيناي البديعتان تسلِبان عقل كل الفتيات اللاتي ينظرن إليَّ، ثم قالت أن شفاهي تستحقُّ التقبيل حقاً.

وهنا انتَهزتُ الفرصة ومددتُ شفاهي كـ جملٍ يلوك طعامَه وقلتُ لها إذاً هيَّا لنُجرِّب. لكنَّها لطمتني على خدِّي لطمةً كوَّنت انحرافاً في عظام الخدّ مازالت ظاهرة حتَّى الآن.

لكنِّي لم أستسلم، وهكذا بدأت رحلتي في البحث عن فتاة ما لكي أُقبِّلها، فأنا سأصير في الثلاثين قريباً ولم تمسس شفاهي الرائعة شفاه امرأة قطّ. وكنتُ أُفكِّر أن الفتاة التي عليَّ إيجادها يجب أن تكون قبيحة، حتَّى تشعُر بالتميُّز عندما تُقبِّل فتى رائع مثلي.

وفي يوم ما وبينما أنا أُغرِد تغريدات أدبية على تويتر تجعلني أبدو أكثر روعة مما أنا عليه، وإذ تابعني حسابٌ يُدعى بوكاهانتس.

ولأكونَ صريحاً، فلم أكُن أعرف من هيَ بوكاهانتس من قبل، فبحثتُ عن هذه الشخصية القبيحة بسرعة، فوجدت أنها امرأة من السكان الأصليين حاولت أن تترُك تراث أجدادها وتعيش الحياة المدنيَّة العصرية. وكانت قبيحة جداً، أعني حساب بوكاهانتس هذا وليست بوكاهانتس الأصلية.

استنتجتُ أن هذه الفتاة كانت تحاول التخلُّص من عادات أهلها القديمة، لذلك تُحبُّ بوكاهانتس.

وهكذا استجمعتُ قواي، وأرسلتُ رسالة خاصَّة لها محمَّلة بعبارات مثل مساء الورد والعنبر، مساء الزيت والزعتر، عبارات تخنِقُك برائحتها اللزجة، وكل هذا لأبدو رقيقاً أمام هذه القبيحة.

وبعد عدَّة ليالٍ من أحاديثنا البلهاء، اكتَشفتُ أنَّها مُغفَّلة حقاً، فهيَ مُتأثِرة بنظريات فرويد الجنسيَّة، كما أنها تدعم الحركات النسويَّة التي طَفِح بها تويتر مؤخراً. ولكني فكرتُ أيضاً أنَّ هذا سيكون مدخلاً جيِّداً لتقبيلها. وحين سألتني عن رأيي في النسويَّة أجبتُها: أتمزحين؟ أنا نسويٌّ حتى النخاع، نسويٌّ أكثر من النسويات أنفُسهنَّ. نسويٌّ لدرجة أني أحلِقُ شاربي كُلَّ يوم تضامناً مع الفتيات اللاتي بلا شوارب، لدرجة أني أرتدي تحتَ البوكسر فوطَة لأني متضامن معكنَّ معشر النساء، وقد تناولتُ مرَّة أربع سندويشات فلافِل لأشعُر بآلام البطن، وإذا كانت هناك طريقة للشعور بآلام الولادة فسوف أتألم وأنا أضحك.

لم أتوقَّع أن تُجدي هذه الحيلة نفعاً، ولكنَّها وقعَت في الفخ، وأحبَّتني.

وفي يوم ما بعدَ أن توطدت العلاقة أكثر، طلبتُ مقابلتها، وكذبتُ عليها وأخبرتها أن لديَّ مشكلة أريد أن أستشيرها بحلٍّ لها، وهذه المشكلة لا يمكن قولها إلّا وجهاً لوجه.

وهكذا كان. تقابلنا في مطعم ما. وافتتحتُ حديثي بامتداح عينيها البشعَتين، وشفاهها المُتشققة، ورائحتها القذرة. وكانَت تبتسم كالحمقاء مُصدَّقة أنها جميلة، وغيرَ مُصدَّقة أنها تجلِس مع فتى وسيمٍ مثلي.

ثم أخبرتها أنني أؤمن بنظريّات فرويد، وأنَّ جميع ما نقوم به يهدف للوصول للنشوة الجنسية في اللاوعي، وأني أؤمن بحريَّة المرأة في جسدها وأن جسدها مُلكٌ لها. لذلك وبعد كل هذا التوافق الفكريِّ طلبتُ أن أُجرِّب تقبيلها مرَّة واحدة، مع وعدٍ منِّي أن أتوقَّف هنا ولا يأخذني عقلي لأبعد من هذا.

ولكن، وياللأسف، كانت ردَّة فِعلها غير متوقَّعة. حيثُ نظرت إليَّ وعلامات الصدمة واضحة على وجهها، وأمسكت بكأس العصير وصبّته فوق وجهي الحليق، وضربت بيديها على الطاولة، وقامت، وقالت بنبرة غاضبة: أيُّها المُخنَّث العَفِن الحقير، ألم تكتشف لوحدك؟ أنا سُحاقيَّة!

ثُمَّ رحلت بدون أن تلتَفت للوراء.

اشتراك
إشعار إلى
guest
3 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات
taifalsharif
taifalsharif
أغسطس 22, 2020 10:23 م

ههه لا أعرف ما أقول لكن نعيماً تفي ?

taifalsharif
taifalsharif
أغسطس 22, 2020 10:37 م
الرد على  Abdulrahman Haddad

أكيد? ربي يسعدك دوماً

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.