آلهة أمريكية

منتصف اللاشيء

تحديد مركز أيِّ شيءٍ بالضَّبط مسألة إشكاليَّة في أحسن الأحوال، ومع الكائنات الحيَّة -البشر على سبيل المثال، أو القارَّات- تمتُّ المشكلة إلى ما هو غير ملموس. فما مركز الإنسان؟ وما مركز الحُلم؟ وفي حالة الولايات المتَّحدة القارِّيَّة، هل يجب أن يحسب المرء ألاسكا حينما يُحاوِل العثور على المركز؟ أو هاواي؟

في مطلع القرن العشرين صنعوا نموذجًا ضخمًا من الكرتون للولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، شملَ الولايات الثَّمانيَ والأربعين المتجاورة، وليجدوا المركز وازَنوا النَّموذج على رأس دبُّوس، إلى أن وجدوا الموضع الأوحد الذي يتوازَن فيه.

أقرب ما استطاعَ أحد الاستدلال عليه، أن مركز أمريكا يقع تحديدًا على مبعدة عدَّة أميال من بلدة لبانون بمقاطعة سميث في كانساس، على أرض مزرعة خنازير چوني جريب. بحلول الثَّلاثينيَّات كان أهل لبانون على أهبة الاستعداد لإقامة نُصبٍ تذكاري في منتصَف المزرعة، إلَّا أن چوني جريب قال إنه لا يُريد أن يأتي ملايين السُّيَّاح ليتسكَّعوا في أنحاء المكان ويُزعِجوا الخنازير. ارتأى السُّكَّان المحلِّيُّون أن له حقًّا، فأقاموا نُصب مركز الولايات المتَّحدة الجغرافي على بُعد ميليْن شمال البلدة. بنوا حديقةً، ونُصبًا تذكاريًّا من الحجر وضعوه في الحديقة، ووضعوا لوحةً من النُّحاس الأصفر على النُّصب، تُؤكِّد لك أنك تَنظُر إلى مركز الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة الجغرافي بالتَّحديد، ورصفوا الطَّريق من البلدة إلى الحديقة الصَّغيرة بالأسفلت، ولثقتهم بإقبال فيضان من السَّائحين المنتظرين المجيء إلى لبانون على أحرِّ من الجمر، بنوا موتل عند النُّصب التَّذكاري، وجلبوا أيضًا كنيسةً متنقِّلةً وخلعوا عجلاتها. ثم انتظروا مجيء السَّائحين والمعيِّدين، جميع من يرغبون في إعلام العالم بأنهم زراوا مركز أمريكا، وتعجَّبوا، وصلَّوا.

ولم يجئ السَّائحون. لم يجئ أحد.

هي الآن حديقة صغيرة بائسة، فيها كنيسة متنقِّلة يزيد حجمها قليلًا على حجم كوخ صيدٍ في الجليد، لا تتَّسع لمأتمٍ صغير، وموتل تبدو نوافذه كالأعيُن الميتة.

– «ولهذا السَّبب مركز أمريكا بالتَّحديد هو حديقة ضئيلة متهدِّمة وكنيسة خالية وكومة من الحجارة وموتل مهمَل».

علَّق تشرنوبوج: «بل مزرعة خنازير. قلت لتوّك إن مركز أمريكا الحقيقي مزرعة خنازير».

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.