لم أملِك سوى الضحك ساخِراً عندما رأيت ذلك الشّاب اليوم يتشاجر مع عنصُر الأمن في السّوق ليدخل قبل بدء تنفيذ الحجر الصحّي بنصف ساعة، تجمهَر الناس حولَه وهو يصرُخ “إدارة فاشلة، الحكومة تقول يسّروا على المواطن ولا تُعسّروا”. وأنا جالسٌ في السيّارة أشرب البيرَة رافعاً قدمي إلى المِقوَد، أخفضتُ صوتَ أم كلثوم ورحت أراقبهم باسِماً. كنتُ الوحيد المُستَمتع بهذا المشهد ومُتحمّس لباقي المشاهد التي ستحدُث في الأيّام القادمة، كنت أُفكّر إذا بدأ الشاب بالضرب ثمّ ضربه رجل الأمن ثم ستتوالى الضربات وقد يصلون للسيّارة، وهذه مشكلة، ربّما عليّ الرحيل، لكن مُتعَة المُشاهدة منعتني. كنتُ أشعُر أني إمبراطور، لا يعنيني أيّ شيء، العالم ينهار يا أبناء الكلب وهذا لا يعنيني أبداً. العالم ينهار، أين أنتم أيّها المتحضّرون؟ أين عبدَة الرأسمالية؟ أين أنتم يا مُحبّي القِفاص الإسمنتيّة؟ أين أنتم يا أوغاد الإنسانيّة؟!
العالمُ ينهار، ولا مشكلةَ في انهيارِه مُطلقاً. المشكلة، كُلّ المشكلة، أنه لن ينهار قطعة واحدة -في طرفة عين، بل ستكون شاهِداً على انهيارِه ذرّةً ذرّة، ستكون هناك معاناة سيكون هناك المزيد من الألم، والمزيد من الدم المُراق، لن تصحو على بقايا انهياره، بل ستعيش هذا الانهيار لحظة بلحظة مع باقي أرذال العالم. فليَضحك العالم علينا، فلتَضحك الآلهة وجميع الكائنات.
لكَ أن تتخيّل أن الحضارة البشريّة بتاريخها العريق المُتجذّر الضارب في كُل بقعة من الكرة الأرضية، التاريخ العظيم للبشر مع ارتقاء الحضارات وزوالها، والتطوّرات التقنيّة الهائلة التي حدثت في آخر قرن، مع كُل هذا التاريخ الحافل، البشريّة اليوم مرعوبة -حرفيّاً- من فايروس وغير قادرة بعد على هزيمته.
لا يمكنك سوى أن تشعر بالحزن وأنت تُشاهِد ما يحدث، مدارس مُقفَلة، جامعات متوقّفة، مصالح حكومية مُعطّلة، موظّفين بدون وظائف، العالم على شفى جُرف انهيارٍ اقتصاديّ عالمي سيكون أثره وخيماً على الجميع، مؤتمرات ومعارض أُلغيَت، مُبارايات تُلعَب بدون جمهور، صلاة تُقام بدون مُصلّين، حتّى في أجمَح خيالاتي عن نهاية العالم، لم أكُن أتخيّل أن يخلو الحَرم المكّي من الطوّافين، كنتُ أقول: حتى لو أوشك العالم على الإنتهاء، سيكون هناك مؤمنين يطوفون البيت .. في الحقيقة كنتُ أقولُ أنه من الرائع أن أُشاهِد نهاية العالم، لكن لم يكُن بحسباني أن أكون جُزءاً منه!
أيّ سخرية هذه التي يسخر فيها القدر منّا؟