في تمجيد الشمس

في تمجيدِ الشَّمس

تعرفون تلكَ الأسئلةُ الغريبة التي يسألها طفل صغير يتعرَّف على العالم لتوِّه، أسئلة الـ لماذات واللَوَّات. «لماذا تضيءُ النجومُ في السَماء؟ ولماذا الاثنين قبلَ الثُلاثاء؟ لماذا نحن هنا؟» حسنٌ .. مازِلتُ هنا، طفلاً في عمر الربع قرن يسأل تلك الأسئلة.

اتأمَّل القَمر كعادَتي شارِداً في أضواء الطريق التي تتجاوزني ويدي فوق المقوَد، وعزفٌ خفيفٌ على العود ينبعثٌ من سمَّاعات السيارة. لطالَما أحببتُ القَمر، كيانٌ بهيٌّ يُضيء عَتَمة الليل، ثابتٌ، يُلاحِقُك أينما ذهبت، يُحدِقُ بك، ويكتُم أسرارَك، نورُه يطغى على الأجرام قريبها وبعيدِها، ورُغم هذا البُعد، يؤثِّر عليك بطريقَة لن تُميِّزها كتأثيره على المدِّ والجزر.

سألتُ والدتي الراكِبة بجانِبي أحدَ تلكَ الأسئلة العبثيَّة الماذالويَّة: «ماذا لو كانَت لديك الفُرصة لتصيري كياناً ما. ماذا سيكون هذا الكيان؟»

كانَت تنظُر إليَّ اتأملُ البدرَ المنيرَ في السَّماء تُحيطُه الغيوم من كُلِّ جانِب، وتصيحُ في كُلِّ لحظةٍ أشرُد فيها: «انتبه للطريق يا ولد، لن يفرَّ القمرُ من مكانِه».

نظرتْ إليَّ باستغرابٍ وكأنَّها تقول ما سرُّ هذا السؤال، لكنَّها فاجئتني بإجابتها: «بالتأكيد ليسَ القمر».

«هل تُحاوِلينَ إغاظتي، يا قمَر؟».

لم أتوقَّع إجابتها، كان لوالدتي جانبها العبثيَّ المُبهَّر بالإيمان أيضاً، جانبها الذي يُؤهِّلُها للإجابة عن أسئلة طفلٍ في الخامسة والعشرين.

أخبَرتُها: «الليلَ حالِك، شديدُ السَّواد، القمر سيكون خياراً جميلاً، سيتسنَّى للجميع رؤيَة جمالِك».

«ومن الذي يحتاجُ قمراً ليُنيرَ لياليه؟».

«الجميع .. ربما!».

«بل لا أحد. لا تنسَ أن الشمسَ هنا، قد تتأخَّر بالبزوغ نعم، وقد يُصبِح الليل شديد السواد. والليل لباسٌ لابن آدم، ليسَ عليكَ فِعل شيءٍ حين يجنُّ الليلُ عليك سوى انتظار الصَّباح. والنَّهار معاش، الجميع ينتظرُ بزوغ الشَمس، لتُنيرَ لهم أيَّامهم وحياتَهم. وحدَها الشمس التي ستحتَرِق لأجلك، ولأجلي، ولأجل الكوكَب بأكمَلِه. اُفضِّلُ أن أكونَ شمساً تُحرِق نفسها لتُضيء العالَم، على أن أكونَ قمراً يسرِق جمال الشمس. إذاً سأطرح السؤال مرَّة أخرى، من سيحتاجُ القمر في لياليه؟».

«ربما لا أحدَ فعلاً يحتاج لحُبِّ القمر، سيكون هناك نهارٌ بعدَ كُلِّ ليل».

بالتأكيد، لن أتخلَّى عن حُبِّي للقمر. لكنِّي بتُّ أُحب الشمسَ أكثر، وفي شروقِها وغروبِها أقِفُ إجلالاً وإكباراً لها ريثَما تنتهي تلك اللحظات الخاشِعة.

والآن، مهما بدا يومِي غائِمَاً ضبابيَّاً مُمطِراً وموحِلاً .. أعلَمُ أنِّي سأعود للمنزِل لأجدَ شمساً ساطِعةً بانتظاري.

* وهذه الصورة، تخليداً لذكرَى غروبِ هذا اليوم المُميَّز الساحِر، تخليداً للشموس في حياتي.

اشتراك
إشعار إلى
guest
2 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات
ميسَم
ميسَم
سبتمبر 6, 2020 12:23 م

أكاد أجزم أن الذي يكتب هنا ليس نفسه سامسا في تمبلر
واضح أن العزلة صنعت المجد معك … ما شاء الله اسلوب السرد عندك تطور بشكل واضح وجميل وعلى وشك النضوج تقريباً
لا تبخل علينا بالمزيد صديقنا الجميل ??

Sarahkhaled
Sarahkhaled
سبتمبر 6, 2020 5:32 م

نص مشرق بكل المعايير

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.