انتخبة الأمل، لوحة من رسم محمود عباس

غربة

طيف من الصراعات يراه الإنسان وهو يصارع قبضة الغربة التي تحيط برقبته، والأمل في غد أفضل هو القشة التي يتعلق بها في سباته ومنامه.

وجوه الحبيبات التي تعدهم وتمنيهم بأن يغرقوا في الهناء والسكينة والطمأنينة. أيادي الأمهات التي تمسّد على رؤوسهم وتمسح عليها بكل الحنان والعاطفة التي خُلقت يوماً. أحاديث الأخوات اللاتي تلجأ إليهم، واللاتي، رغم زواجهن، مازلن يشعرن بالأمان بوجود أخيهن التي تفصل بينه وبينهن بحار وجبال وقارّات. عيون آبائهم التي تهرب من الالتقاء بأعينهم كي لا تنهمر شلالات دموع تقلّ الهيبة وتقلّب المواجع وتذكّر بالعجز. همس الأصدقاء في لحظات الحضن الأخير: «قد تكون هذه المرة الأخيرة التي نجتمع بها، لا تنسني!»، رائحة الحواري الضيّقة المعشّقة بالياسمسن التي لطالما لعبوا فيها مع أبناء الجيران الذين استشهدوا واعتُقلوا وهاجروا وتفرّقوا. عطر رمضان العظيم وحلقة الذكر بعد الفجر في نهاره. صوت توفيق المنجد الذي يصدح في كلّ حارة من حارات الشام، أذان الجامع الأموي المميز الذي لن تجد مثيلاً له ولو طفت جميع مساجد العالم وصليّت بها. تسابقهم على أكل أحّاطة الرز الذي بقي في أسفل طنجرة طبخة جدّتهم، مساعدة جدّهم في شطف أرض ديار، واجتماعهم في كلّ جمعة على طاولة غداء واحدة لأكل التسقية والفول. لمّتهم على كنب الصالة أمام فيلم لعادل إمام مستعينين على إعادته للمرة الألف بالبزر والبطيخ وكثير من النكات. أحلامهم بحال أفضل وليلة حمراء في الحلال مع محبوباتهن وأولاد يكون حظّهم أفضل من حظهم. صوت شيخ الجامع في المجالس المغلقة وهو ينهاهم عن سب الدهر ولعن الدنيا والدين وأنها كلمات نشرها العلويّون بين أبناء سوريا المحافظين.

كل هذا .. أم وجه رئيس صار اسم الوطن مقترناً باسمه، فعاشوا وغرقوا وهو لا ينفك يطلع عليهم من كل الصور مبتسماً واثقاً بقضاءه على الإرهابيين متأكداً من أنه يواجه حرباً كونيّة، ومطمئناً قروده أنهم لن يفقدوا أبداً المكان الذي حجزه لهم في قلبه وعقله، وأنهم لن يفقدوا أبداً فرصتهم الأكيدة في الغرق .. في خيره طبعاً.

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.