كيفَ اختزل الدمشقيّون في لهجتهم المحكيّة وجَع القلب الشديد بكلمةٍ من ثلاث حروف “غاب” .. والغياب هنا يُلازم القلب دائماً .. “غاب قلبه ، غاب قلبُها ، غاب قلبي” .. يغيب القلب عندما تتأجّج الروح ، عندما يكون قلباً نائماً يضخّ الدم فقط يحتاج آلاف السنين ليصحو من جديد .. يغيب القلب عندما تُكسَر الروح ، وليس من السهل إعادة ترميمُها كمن يُعلّم عزف البيانو لشخصٍ مقطوعةٌ يده ، ما انكَسر انكَسر ولا يمكن إصلاحُه إلا بطُرق ملتوية .. يغيب القلب حينَما تفشل روحُك في المرّة الأولى ، وتبقَى وجِلةً تُراقِب الروح الثانية التي تحوم حولك ، تُراقِبها بخوفٍ خشية استقبالِها ثُمّ الفشل ، خشية زَلل عين القلب الغريق المُتعلّق بقشّة ، خشيةً من أن تكون الروح الجديدة مجرّد محاولاتٌ تعويضٍ فاشلة ، لكنّك وبشكلٍ مُفاجئ تستطيع إخماد قلبك وتسمعه كما لم تسمَعه من قبل لأوّل مرة ينبِض -من بعد وقتٍ طويل- بالحياة كعصفورٍ وجَد عُشّاً مهجوراً ، وترتقي بروحِك لفضاء الملكوت ، ثم ما تلبِثُ أن تقع .. هنا يغيب القلب ، ولغيابه هذه المرّة سُباتٌ عميق قد لا يصحو منه .. “غاب قلبه” تُقال عادة للطفل المُنتحب الذي -ولشدّة غياب قلبه- لا يستطيع التنفّس فتقف والدته أمامه مُحاولةً تهدئته .. كُلّنا ذلك الطفل حينَ يغيب القلب ..
لكن مهلاً أيّها القلبُ أين تغيب؟! إلى أين تحزم أمتعة المغادرة وترحل؟! أما عُدَت تنتمي لهذا الجسد؟! أفشلتَ في إنعاش هذه الروح؟! أرجوك يا قلب لا تغب!
لقد غابَ قلبي ..