لو كان ما كتبتُه عن الجزء الأول والثاني مديحاً في السلسلة وإظهار انبهاري بمدى روعة السرد والقصّة والحبكة والأحداث والتفاصيل من دون الالتفات إلى بعض العيوب الغير مهمّة، فإنّ هذا المقال (أو المراجعة أو الرأي أو أياً ما كان اسم هذه الحروف اللعينة التي أكتبها) سيكون ناقماً.
كنت أتجاهل الدافع الذي يأمرني بالكتابة عن المقبرة المنسيّة، لكن انتهى اليوم مسلسل Better Call Saul بنهاية أقل ما توصف بأنها نهاية مثاليّة، هذه النهاية المثاليّة أشعرتني بالغيظ اتجاه المقبرة، لأنني أحببت هذا العالم بالفعل، لكنّه انتهى بطريقة غريبة مليئة بالثغرات، نهاية لا تليق بالجزئين الأوّلين أبداً .. والعبرة دائماً في الخواتيم.
بما أني لم أكتب مراجعة خاصّة عن سجين السماء، فسوف أكتبها الآن بعد أن اكتملت صورة المتاهة لديّ على أن أعود للكتابة عن متاهة الأرواح لاحقاً:
أوّل ما فكّرت به عندما أنهيتها أن العبارة التي يرد ذكرها في مطلع كل رواية بما معناه: ننوّه القارئ بإمكانية قراءة أي جزء يريد بالترتيب الذي يريده لن تضرّ بتجربة القراءة. هذه العبارة خاطئة، فمن سيبدأ بسجين السماء أوّلاً سيفقد الكثير من متعتها، وسيجد نفسه أمام قصةٍ مملةٍ رتيبة لم تُقدّم له شيء سوى شخصيّاتٍ أسيرةٍ لدى السلطات في عهد الديكتاتور فرانكو، شخصيّات قد لا يرتبط بها لأن الكاتب لم يُعطِ حقّ الظهور لكل الشخصيّات، ولأنه جزءٌ كان هدفه الأساسيّ ربطُ أبطالِ ظل الريح مع لعبة الملاك. لكن في الحقيقة، بعد انتهائي من متاهة الأرواح أدركتُ أن ّسجين السماء يجب أن يكون فصلٌ مُلحَق بظلّ الريح، وليس جزءاً بحدّ ذاته.
ولعلّ هذا بسبب أن سجين السماء رواية قصيرة، إنها الأقصر بين إخوتها، 350 صفحة فقط، ولو تمّ توزيعها على ظل الريح ولعبة الملاك سيكون الأمر أفضل بكثير من إصدار رواية ناقصة غير مكتملة الأركان ممسوحة الملامح، فهذه الرواية ليس فيها بداية ولا نهاية ولا حبكة بل هي أشبه بتتمّةٍ لظلّ الريح. من الواضح أنه كان هناك الكثير من الحكايا التي أراد زافون حكيها ولكنّه لم يستطع بسبب نقص الرواية هذه.
بعد بحثٍ قصير تبيّن لي أن هناك أقاويل (لا أعرف مدى صحتها) أن دار النشر التي كانت تنشر لزافون، هي التي ضيّقت عليه الوقت، وأجبرته على إصدار الرواية في موعدٍ محدد، لذلك صدرت الرواية ناقصة رديئة، وهكذا وقع زافون في نفس الفخّ الذي أوقَع فيه مارتن: تعنّت دور النشر ومعاملتها السيئة مع الكتّاب.
لا أنكر طبعاً أنني استمتعتُ بسجين السماء، لكنّ متعتي كانت لأنّ الشخصيّات صارت مألوفةً بالنسبة إليّ، شعرتُ أنها حيّة ولكلّ منها ميّزاتها الخاصّة، فلكلّ شخصيّة ماضٍ يستحق أن يُحكى، أحببتُ فيرمين أكثر، وتأكّدتْ شكوكي حول مرضِ مارتن الانفصامي، ذلك الشيطان القاتل الذي لُقِّب بسجين السماء لأنه حُبِس في زنزانةٍ انفراديّة في أعلى برجٍ في القلعة، تأكّدت شكوكي بأنه راوٍ غير موثوق وشعرتُ بالشفقِة البالغة نحو ذلك المجنون .. عشتُ في أزقّة برشلونة أكثر، في شارع سانتا آنا وحواري الرافال، وزرتُ قلعة مونتويك التي بُنيت على رأس جبل مُطلٍّ على البحر .. ولأجل هذا كله، سجين السماء هي حلقةُ وصلٍ بين الجزء الأول والثاني ولا يجب أن يُبتدَأ بها أبداً.
بالطبع، مهّدت سجين السماء لظهورِ أحد أهم شخصيّات متاهةِ الأرواح: مارويسو فايس .. ولكن حقاً، هل كان يجب كتابة 350 صفحة للتمهيد لهذه الشخصية؟! والجواب هو لا بالتأكيد .. في الحقيقة، أجّلتُ الكتابة عن سجين السماء لاعتقادي أن قراءتي لمتاهة الأرواح سيُنبئني عن مدى أهميّتها، لكن بعد انتهائي من المتاهة أدركت أن سجين السماء يجب أن يكون فصلٌ مُلحَق بظلّ الريح، وليس جزءاً منفصلاً بحدّ ذاته.