رواية آلهة أمريكية، مكتبة تكوين

رواية آلهة أمريكية: فرصة مهدرة ومغامرة مملة

للتو أنهيت أكثر رواية عديمة الفائدة قرأتها على الإطلاق: آلهة أمريكية.

السبب الرئيسي الذي دفعني لقرائتها هو المترجم هشام فهمي الذي تُعجبني ترجمته ونصوصه والذي أعتبره صديق فيسبوكيِّ لي من أيام بداية لعبة العروش ونقاشاتنا حول المسلسل قبل الإعلان بأنه سيقوم بترجمتها .. والسبب الثاني هو أن الرواية قد تحوّلت لمسلسل في 2017 .. ما أذكره أنَّ النصف الأول من الموسم الأول للمسلسل أعجبني بالفعل وشعرت أن هناك قصة تستحق أن تُروى خاصّة أني أحب الإطلاع على الميثيولوجيّات المختلفة لدى الثقافات، طبعاً توقفت عن المشاهدة مُتأثِّراً بآراء قُرّاء الرواية الذين شاهدوا المسلسل آنذاك وقالوا بأعلى صوت أن المسلسل رديء بالنسبة للرواية.

لذلك انتظرت 6 سنوات حتى تُرجمت الرواية وقرأتها.

وللأسف لم تكُن على قدر التطلّعات أبداً.

تحكي القصَّة حكاية رجلٍ يدعى شادو يخرج من السِّجن بعد ثلاث سنوات، ويكتشف أن زوجته وأفضل صديق له قد ماتا في حادث سيارة. وفي الطائرة في طريقه إلى الجنازة، يلتقي برجل يُعرِّف عن نفسه بأنَّه السيّد أربعاء ويعرض على شادو عملاً كحارس شخصي له. يوافق شادور وينطلق مع الأربعاء في رحلة عبر أمريكا، حيث يُكشَف له مع تسلسل الأحداث أنَّ الأربعاء إله قديم من الميثولوجيا الإسكندنافية (وهو الإله أودن المُلقَّب بأبي الكل ويوم الأربعاء معناه الحرفي بالإنجلش يوم الإله أودن wednesday) ويكتشف أن هناك حرب قادمة بين الآلهة القديمة التي جاءت مع المهاجرين من جميع أنحاء العالم، والآلهة الجديدة التي تمثِّل التكنولوجيا والإعلام والمال وغيرها من جوانب الحضارة الحديثة.

في رحلتهما، يقابل شادو والسيد أربعاء العديد من الآلهة القديمة والجديدة، بعضهم يتحالف معهما في هذه الحرب، وبعضهم يُعاديهما. كما يقابل شادو أشخاصًا غرباء وأحداثًا غامضة تتحدى عقله وإيمانه (وهو ملحد بكل تلك الآلهة). في نهاية المطاف، يكتشف شادو حقائق صادمة عن نفسه وعن دوره في هذه الحرب.

رواية آلهة أمريكية، مكتبة تكوين

فرص مهدرة

القصَّة واعدة، مازلت أراها كما رأيتها منذ 6 سنوات، لكنَّها كانت فرصة مهدرة للأسف، حتَّى أني لا أستطيع حصر الفُرص التي كان من الممكن استثمارها لتُخلَّد الرواية بين الكلاسيكيات، لذا سأذكر الفرصة المُهدرة الأكبر.

فمثلاً من ناحية الشخصيّات، هناك نوعين من الشخصيّات في القصة: الشخصيات التي يُحكى تاريخها وتاريخ سفرها للأرض الجديدة وهي حكايا ممتعة بالمجمل وعملَت عمل الفاصل الترفيهي بين الفصول، وجود هذه الشخصيات ليس مفيداً طبعاً لأنها لم تظهر في مستقبل الأحداث، لكن وجودها مسلّي ولطيف. والنوع الثاني هي الشخصيات التي تظهر مع شادو والسيد أربعاء في مسار القصّة الأصلي، فقد ظهرت العديد جداً من الشخصيّات التي لم تُضِف شيئاً للقصة، شخصيّات غير مهمة ومزعجة وتأخذ حيّزاً من الصفحات.

لكن لعلّ أكثر شيء محبط في الرواية هو طريقة انتهائها السريعة والفجائية والغير مفهومة.

منذ بداية الرواية وفي الصفحة الأولى وفي كل الصفحات والفصول الأخرى، دائماً يذكر بطل الرواية مع رفيقه أن هناك عاصفة ستحدث قريباً (وهي مجازاً تعني الحرب بين الآلهة القديمة والجديدة) بل حتّى أن كل الرواية مبنية على “العاصفة” ثُمَّ حين تحين العاصفة ماذا يحدث؟

يقوم البطل خلال صفحة ونصف بإلقاء خطبة غبية على مسمع المتحاربين فيترك كل منهم سلاحه وينصرف!!

هل تستحق نهاية مثل هذه أن نبني عليها أحداثاً من 600 صفحة؟

بالتأكيد لا.

وهذا أكثر ما يزعج في الرواية.

لا جديد .. مجرّد أفكار مكررة

الحقيقة أن أفكار الرواية العميقة اهترأت نقاشاً وتداولاً في كل المنصّات الثقافية، في المجلّات والكتب والمحاضرات والسينما، لدى المثقّفين والشيوخ والشعراء وعامّة الشعب. وهي فكرة نقد الاستهلاكية الأمريكية وربما أقرب مثال لها وأفضل من ناقش الفكرة وأكثر مثال استحضرته أثناء قراءتي هي رواية نادي القتال لتشاك بالانيوك.

في رواية آلهة أمريكية، ينتقد نيل جايمان الثقافة الاستهلاكية والمادية التي تسيطر على المجتمع الأمريكي، والتي تؤدي إلى نسيان وإهمال الآلهة والأساطير التي جاءت مع المهاجرين من جميع أنحاء العالم. يصور الكاتب كيف أن الآلهة القديمة، مثل أودين وأنانسي وثور، أصبحوا مهمَّشين وفقراء وضعفاء بسبب عدم تقدير وعبادة الناس لهم. بالمقابل، يصور الكاتب كيف أن الآلهة الجديدة، مثل مستر وورلد وميديا والفتى التقني، أصبحوا أقوياء وأغنياء ونافذين بسبب اعتماد وإدمان الناس على التكنولوجيا والإعلام والمال. يظهر الكاتب كيف أن هذه الثقافة تجعل الناس يفقدون هويتهم وانتمائهم وإبداعهم، وتجعلهم يعيشون في عالم سطحي وزائف.

وهذه أفكار مكررة ومعروفة ومدروسة مسبقاً لشخص يستمع للدكتور عبدالوهاب المسيري بكثرة ولا يحتاج لرواية لإقناعه بها.

آلهة الترجمة لدى القدماء المصريين

يُقال أن اسم آلهة الترجمة عند القدماء المصريين هو “هشام فهمي” لذا كان لابدّ من ذكره هنا.

بصراحة لولا جماليّة الترجمة والجهد المبذول الواضح فيها لما أكملت الرواية، وهذا تماماً ما اعتدناه من الأستاذ هشام فهمي، لكنّه هنا نقل الترجمة لمستوى جديد حيث أضاف ملحق للترجمة طوله أكثر من 50 صفحة احتوى على دليل إرشادي كامل لكل الميثيولوجيا المذكورة في الرواية وشرح فيها أغلب الجُمَل التي لها مرجع في الثقافة الأمريكية ومعلومات أخرى عن الأماكن والأغاني التي ذُكرت فيها، هذا جهد واضح لا يخفى على أحد ويستحق الشكر عليه.

الخلاصة

رواية آلهة أمريكية جميلة نوعاً ما، لكنّها ليست لي بالتأكيد لأني شخص تهمّني القصّة وحبكتها وهو مالم أجده في الرواية رغم أنني مازلت أقول أنّ أساس القصّة قويّ، وهذا بالمناسبة قد يكون سبب آخر لعدم رغبة الناس بقرائتها فهي تتناول موضوعاً غير مريح أو غير مهم لفئة كبيرة من الناس. أما عن طرحها الفكريّ فأعتقد أنها مناسبة للأشخاص المبتدئين في القراءة سيجدونها مثيرة للاهتمام ورائعة.

اشتراك
إشعار إلى
guest
3 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات
alishaheenblog
alishaheenblog
سبتمبر 4, 2024 2:13 م

شكرا يا صديقي على هذا الريفيو، في انتظار المزيد من ابداعاتك يا غالي☺❤⚘

alishaheenblog
alishaheenblog
سبتمبر 5, 2024 5:59 م
الرد على  Abdulrahman Haddad

لا بالله عليك يا غالي لا تترك الكتابة، لعلها تكون فولترين نفسي يخفف من ألم الحياة اليومية، او تدفعك لمزيد من القراءة وتقديم مزيد من عُصارة الكتب.
استمر ولا تتوقف يا غالي❤?

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.