ظل امرأة تقف على الشاطئ

ذلك الشخص ..

لا أحد يُحاسِب رضيعاً على أفعاله: يضحك .. يبكي .. يغفو .. يغاغي .. يضع إصبعه في فمه .. يلوِّح برجليه الصغيرتين في الهواء .. لن يحاول أحد فهمه أو زجره. هو حرٌّ وتلقائيٌّ في تصرفاته.

ثم يأتي العمر ليلعب لعبته فتبدأ الأوامر والنواهي: افعل .. لا تفعل! نظف أسنانك، كل بطريقة مؤدبة، اخفض صوتك أثناء الحديث، هذا حلال، هذا حرام، هذا عيب، لا تتحدَّث بشؤون الكبار، لا تتدخَّل فيما لا يعنيك .. اللعنة كم هي خانقة قوانين البشر ..

ثم حين نكبُر قليلاً ندرك أن مساحة الحريَّة تلك تتقلَّص حتَّى تُختَزل بمكانٍ واحد ربما .. أو بشخصٍ واحد ..

ذلك الشخص الذي تستَعيد معه ضحكات الأطفال التي فقدتها من دهر بعيد، الذي يُعطيك المساحة التي سلبتها منك الحياة لتعود أنتَ كما أنتَ، لتعود إلى ذاتِكَ الصغيرة، إلى مرحلة الأسئلة في نظرةٍ مليئة بالدهشة عن العالم، يُمسِك بيدَك بلطف ويُعرِّفك على الأشياء وكأنَّك تكتشفها للمرَّة الأولى، تُعرِّي أمامه روحك ببراءة لتتعلَّم المشيَ والكلام من جديد.

هذا ما يفعله البحر بي، يُسكِّن روحي ويُعيدني إلى دهشتي الأولى ويُعطيني مساحة الحريَّة تلك .. وهذا ما يفعله ذلك الشخص بي أيضاً، هو ذات الشخص الذي فكَّرتَ به أثناء قراءتك .. ولأجل مساحة الحريَّة تلك، حافِظ عليه.

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.