رسالة قديمة.

الوصايا العشر لأبنائي

كان والدي يملك مكتَبة بعرض الحائط كاملاً، وكان كذلك يكتُب كثيراً. في الحقيقة أعتقد لو أنَّه مازال حيَّاً إلى اليوم فسيمتلك صفحته الأدبيَّة الخاصة على الفيسبوك.

على كُلِّ حال، ضمَّت تلك المكتبة مختلف الكتب المُحرَّمة والممنوعة من كُلِّ الأزمان -بالنسبة للنظام-، مخطوطات نادرة بنسخها الأصليَّة، وكُتب قيَّمة لم ينجو منها شيء بسبب العوامِل الجويَّة والرطوبة وهجران المنزل ثُم بطبيعة الحال تعفيشه كغيره من ممتلكات السوريين. لكن عندما تمكَّنا أخيراً من الوصول إلى المنزل كانت هناك بضع كتب باقية. الآن .. أحببت أن أُشارككم مجموعة الأوراق هذه إحدى الأوراق الناجية من مجزَرة التعفيش والسرقة خلال الـ10 سنوات الماضية، كتبها والدي بخط يده في فترة بينَ عام 1970 و1974 (كان في منتصف العشرينيَّات مثل سنِّي حالياً) أي قبل 50 سنة تقريباً، أوردها هنا كما كُتِبت تماماً. وأرى أن في هذه الكلمات خيرٌ كثير يستحق الانتشار ..

أولاً :- يا بُني ..

وجهك مرآة سريرتك، فليكن سمحاً دائم البشر، يشع بهجةً وفرحاً حتى ينعكس على روحك فيزيدها صفاءً وتوكلاً وتسليماً وطمأنينة، وحتى يؤثر في نفسك فيحررها من الضيق والحسرة والخوف والقلق. وبذلك تصفو نيتك ويمتلئ قلبك بالمروءة والمحبة والبراءة.

ابتسم للحياة وخض معركتها بوجدان منشرح، فخوض معركة الحياة فن قائم بذاته، لن تتذوق حلاوته ولن تعرف سر جماله إلا إذا تزودت بالأمل الضاحك وتوكلت على الله. ابتسم للحياة تطعك وتبتسم لك وتكن عليك يسرة هينة، وستجد بعد حين أنك راضٍ قانع مطمئن، وقد هدأت أعصابك فلا يثيرك أمر ولا تضطرب لشيء.

يقول رسول الله ﷺ: «روِّحوا القلوب ساعة بعد ساعة». فنحن نعيش على حساب أعصابنا، ندور مع الأحداث في فلك مزدحم. فاقنع بتزكية نفسك دون أن تحملها ما لا طاقة لها به، فإنك لن تعرف معنى الحياة إلا إذا عرفت نفسك وعرفت كيف تديرها وتحررها وكيف تتركها على سجيتها بعض الوقت. وواجه مشكلاتك بشجاعة، فاليوم يومك والغد غيب. «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا».

إن الحياة عقيدة وجهاد، وللجهاد السليم متعة ولذة تشعر بها عندما تواجه الضربات ثم تستمر في معركة الحياة لترد الضربة وتثبت للصعاب وتستخدم ما وهبك الله من قوة وحيوية دافعة حتى تنتصر أو تطمئن. فإذا كتب لك الظفر فهذا حقك وجزاؤك، وإذا أخفقت فناقش نفسك وابحث عن مكمن النقص وموضع الضعف، دون يأس أو قنوط، ودون نوم او ابتئاس، ودون حقد أو ضعف، بل تقبل الهزيمة بروح رياضية عالية وبالابتسام والارتياح الذين تتقبل بهما النصر والفوز. هذه هي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، فالسعي المتصل والحركة الدائمة والعمل المستمر هو الفيصل بين النجاح والإخفاق، وهو الحد بين التقدم والتأخر، وهو الحاجز الذي يمنع الإنسان من أن يسير وراء شبح الفقر والجهل والمرض.

ثانياً :- يا ولدي ..

«أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»

أقم الصلاة بقلب سليم لوجه الله، فالعبادة الصادقة رياضة وإحياء وتقرب ينقي الروح فيصفو الإلهام. وتمنع نزوات العقل عن التفكير في الفحشاء والمنكر، وتطبع شخصيتك بطابع الطهارة والإيمان والتقوى والكرامة والفضيلة، وتشعرك بأنك محفوظ مرضيٌّ عنك من الرب ومن العبد.

يقول الدكتور ألكسيس كاريل في تعريف الصلاة: «إنها تسام من النفس إلى أوج اللامادية، وهي أكثر ما تكون شكاية أو ابتهالاً أو صرخة أو استغاثة، وفي بعض الأحيان تأمل خالص في أصول الوجود ومصادره، وارتفاع بالروح إلى المقام الإلهي عنواناً للتوجه بالحب والعبادة إلى الذي منه صدرت الأعجوبة التي هيَ الحياة».

اعبد ربك بالقلب والروح ومجده بالقول والعمل، اعبده بطلب العزاء والرحمة، ومجده بطلب المعونة والقوة، اعبده بطلب الفضيلة التي تجعلك أهلاً للانتساب إلى نوره والتمتع بالحياة متواضعاً واحتمال المتاعب راضياً، ومجده بالجهاد في سبيله والتأمل في كماله والخضوع لإرادته والثقة بتدبيره. وتمثل ذلك في قول الشاعر:

ولي بالله إيمان وثيق .. فما لكم بإيمان وثيق؟

قويت به فما أعيا بعبئ .. ولا أشكو عثاراً في طريق

ولا أخشى المضرة من عدو .. ولا أرجو المبرة من صديق

إن الاطمئنان وسكينة النفس أكبر نعم المولى ﷻ يهبها لمن يشاء من عباده الصالحين، الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فهما مناعة الإيمان وهما التوكل التسليمي وهما الاتصال آخر مراحل اليقين. الاطمئنان إلى المكتوب والإيمان بالقدر خيره وشره والرضا بحكمة الغيب.

ثالثاً :- أيُّها الشَّاب ..

ما استطاع الضَّلال أن يسودَ الأمَّة إلا في غيبَة الإيمان، وما استطاع الفساد أن يعبَث بالبلاد إلا في غيبَة الأخلاق، وما استطاع الاستعمارُ أن يُقيِّدنا إلا في غيبَة التضحيَة والفداء. فإذا كنتَ مؤمناً تعرِف ربَّك وتبتغي وجهه وتصبِر لقضائه في السرَّاء والضرَّاء، وإذا كنتَ مُجاهِداً تثق بنفسِك وتطلُب لها الكمال والتحرُّر، وإذا كنتَ وطنيَّاً تُخلِص لبلدكَ وتعتز به وتُساهمَ في خدمَته بخبرتك ومالك وروحك في صمتٍ وإنكار للذات، إذا كنتَ هذا الفرد الإنسان المواطِن الذي بُراعي في أقواله وأفعاله هذه القيَم العالية، فأنتَ حقاً صاحب رسالة وطنيَّة خالدة وأنت من الأحرار المؤمنين بالله وحده لا شريك له.

الوطنيَّة ليست مُجرَّد ألفاظٍ وهتافات تُردَّد، وإنما هيَ إيمانٌ عميق متأصِّلٌ بحبِّ الوطن، وافتخارٌ واعتزازٌ بأن الوطن الذي أنبتنا ونشأنا فيه نحن وآباؤنا ورزقنا من خيراته، هو خير الأوطان وهو أحق بلاد الدُنيا بالمجد. يقول الكاتب محمد زكي عبد القادر في تحليله للوطنيَّة: «إنها عاطفة ومصلحة لابد من اقترانها حتى تسمو الوطنيَّة إلى مرتبة الصلابة والتضحية والعاطفة. والعاطفة في الوطنية مرجعها إلى الأرض التي نعيش عليها … نحتفل بذكريات عزيزة على النفس، فيها يحيى الآباء والأجداد ويحيى الزوج والولد والأصدقاء، ونحن نُحبُّ جوها ومجرها وحرها وبردها ونورها وظلامها، لأنها جميعها أصبحت من كياننا لاعتيادنا إيَّاها، ولأنها امتزجت في خواطرنا بذكريات الحب والبغض والرغبة والأمل، وعاشت لأنها نبض القلب ومجرد الدم واهتزاز الأعصاب. أما المصلحة فمرجعها أننا نجدُ في وطننا الحُريَّة والعدل والرزق فلا يجور طاغية على الرأي، ولا يجور ظالم على الحق، ولا يجور قويٌّ على الرزق».

إن اليوم الذي يجلس فيه العربي مع الأجنبي رافع الرأس موفور الكرامة قويَّاً بإيمانه وعلمه وخُلقِه لهو اليوم الذي يتضائل فيه الأجنبي ولا يملك إلا أن يجلَّنا ويحترمنا، وهو اليوم الذي يزول فيه الاستعمار البغيض عن دول العروبة والإسلام. إن بناء أُمَّة لا يمكن أن يتمَّ بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى صبرٍ وجَلدٍ ومُثابرة، يحتاج إلى إخلاصٍ وتفانٍ وعمل، يحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث واختيار البنَّائين المهرة وأدوات البناء المُلائمة.

إِذا الشَّعْبُ يوماً أرادَ الحياةَ … فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ

ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي … ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ

رابعاً :- بُنيَّ المؤمن ..

«يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)» صدق الله العظيم.

تحقَّق أن لك “رسالة” تملأ نفسك، تتطلَّع لتحقيقها بشغفٍ وإخلاص ورغبةٍ مُلحَّةٍ صادقة، واتَّخذ الإحياء الذاتي سبيلك إلى الاقتناع بسموِّ هدفك مطمئناً أنَّه خير هدف وأنك تريد الوصول إليه … فكِّر فيه تفكير المُتحمِّس له واعمل جاهداً من أجله، وردده لنفسك بصوتٍ مسموع وبعبارات إيجابيَّة واضحة، ولا بأس بأنك لن تصدقها في بادئ الأمر، ستصدقها نفسك مع الوقت إذا انطبعت في وجدانك.

إن قوة شخصيتك تظهر بوضوح عندما تحدد فلسفتك في الحياة وتنفذها باقتناع. فإذا ركزت إرادتك في تغيير خطة محددة واتحذت قراراً بالامتناع عن عملٍ ما أو بالتزام حالة معيَّنة في وقت لا يكون فيه ما يدعوك أو يغريك غير احتكامك إلى عقلك وفكرك، ثم استعطت أن تنفذ هذا القرار، فإنك عندئذ تكون قد أضفت لبنة صلبة قوية إلى بنائك الخلقي، وهيَّأت ما فيك من عناصر “الطاقة الحيوية” للانطلاق. وإن مثَل الطاقة الحيوية في الإنسان كقوَّة البخار الدافع للقاطرة إذا لم يُجمَّع ويوجَّه إلى تسيير القاطرة في طريقها المرسوم، سيودي إلى نكبة أو انفجار أو سينبعث سدى في الهواء بدون أن يُستفاد منه.

هذه القوة المعنوية كفيلة بأن تحقق لك كل ما تريد وتلهمك الحلول لجميع مشاكلك، وهي التي تميز الناس بعضهم من بعض، وتكتب للأقوياء المتوثِّبين النصر والتفوُّق على المتخاذلين والمستضعفين، وتخلع عليهم رداء الحظ والفأل الحسن.

سلِّط هذه الطاقة الحيوية الدافعة على هدفك، وجمِّع إشعاعاتها في اتجاه مُركَّز واحد، وحاول امتلاك أمرها وإخضاع أفعالها وأحاسيسها وأخيلتها وجميع ملكاتها لما تُريد تحقيقه من مُثل وأهداف حتَّى لا تتأرجح كريشةٍ في مهبِّ الريح (ريح الغرائز والشهوات والتخيُّلات العمياء التي لا قرار لها ولا استقرار).

خامساً :- ولدي المؤمن ..

كن نبيلاً رافع الرأس موفور الكرامة، مؤدياً للواجب واضعاً نفسك مكان الصدارة والاحترام، قولاً ومظهراّ وتصرفاً دون أن تُصعِّر خدك للناس أو تمشي في الأرض مرحاً. وتعوَّد أن تُلقي النظرة الإيحائية التي تجمع بين السماحة والهيبة التي توحي إليك بالفوز والانتصار حيث يقول طه حسين: «إنما يراك الناس بقدر تصويرك لنفسك، فإن أعززتها رُؤيَت عزيزة، وإن أهنتها رُؤيَت مهانة».

تحدث وتصرف بما تعتقده في أدب المهذب اللبق واتزان الصادق المحق، وأمانة المؤدي للواجب، لتكسب ثقة الناس وتجمع حولك قلوب الأخيار منهم.

يقول الله تعالى لرسوله الأمين: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ».

ويقول عز وجل: «قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى».

فكُن صادقاً صدِّيقاً للخالق جل وعلا تستشعر معنى الحق والإيمان.

وكن صديقاً للخلق تستشعر معنى العزة والرحمة.

وكن صديقاً للطبيعة تستشعر معنى الفن والجمال.

وكن صديقاً لنفسك تستشعر معنى القوة والكرامة.

يقول ربنا جل وعلا: «ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ».

واعلم أن المُجادلين ثلاث:

– إما مجادل يجنح إلى السفسطة في تلمُّس أسباب نقص في الديانات والأنبياء فلا يؤمن إلا بالطبيعة، وهذا سيمده الله في طغيانه إلى أن تقسو عليه الطبيعة ذاتها فيكفر بها.

– وإما وضعي لا يرى من الحياة سوى جانبها المادي فلا يؤمن إلا باللذة والمنفعة الشخصية إلى أن تصدمه أهواء النفس وشهوات الجسد وينتهي به الضعف إلى الاقتناع بأن الحياة عبث غايتها القبر.

– أما الثالث فهو جاهل جامد لا يستطيع أن يستشعر الناحية الروحية في نفسه. وهذا عضو أشل خامل لن يغير البشرية إيمانه أو جحوده.

كٌن بنَّاءً لنفسك وللناس، استخدم الفكر في السمو بالروح واستخدم المواهب في نفع من حولك، واستخدم الصحة في الاستجابة إلى معاني القوَّة، حيث يقول المتنبِّي:

وإذا كانت النفوس كباراً .. تعبت في مرادها الأجسام

فالألم الجسمانيُّ وِجاءٌ في النفس، والألم النفساني غذاء للروح، أما العقل المؤمن فهو المحرك المتفاعل في هذه القوى إذا أُحسِنَ التصرَّف.

وهكذا يكون: إذا سمت الروح وبلغت كمالها تهذَّبت النفس. وإذا تهذَّبت النفس استقامت قوى الجسم. وإذا قَوِيَ الجسم وسَلِم نَضُجَ العقل. وإذا نَضُجَ العقل وانطلق بلغ الإنسان سعادة الدَّارين .. الاطمئنان والاستقرار. يقول الإمام البنَّا: «إنَّ المسلم لابدَّ أن يكونَ إماماً في كل شيء ولا يرضى بغير القيادة والعمل والجهاد والسبق في العلم وفي الصحَّة وفي المال»

سادساً :- أيَّها الشاب المؤمن ..

اقرأ وأكثِر من القراءة وافهم ما تقرأ، فإن القراءة غذاء الفِكر. والإنتاج العقليِّ الصحيح ينبعث في الأفق المتسع بالذهن اليَقِظ والفكر الواعي. والإطِّلاع هو عجلة القيادة لكيان الأماني. وكلما زادت المعرفة نضُج العقل، والشاب المثقَّف تُفتَح أمامه أبواب العمل والرزق في أيِّ اتجاه يسلُك، فإذا أخطأ التوجيه في مرحلته الدراسيَّة وتعلَّم مهنةً لا تتفق مع ميوله واستعداداته، هنا توجهه ثقافته وسعة معرفته إلى العمل الذي يصلُح له ويستطيع أن يُنتِج فيه.

اسأل نفسك … ما هوَ العمل الذي أصلَح له وأستطيع أن أتميَّز فيه بجدارة؟ هل أنا عالةٌ على المجتمع أم في مقدوري أن أكسِبَ رزقي ورزق من أعول؟ فإذا ارتحت لإجابة صادقة فاصبر وثابر مُخلِصاً في أداء واجبك، متقناً دارساً كل دقائق عملك، وحاول أن تكون لكَ الصدارة فيما تخصَّصت له، فإنَّ خبرتك وكفاءتك هي التي تُساعدك على زيادة الإنتاح والتفوق وهي التي تفتح أمامك طريف النجاح والكسب الحلال.

ابحث عن كل ما يساعدك في شق طريقك، فالوقت من ذهب، فإذا عرفت طريقك فاحزم أمتعتك ولا تترُك الفرصة بدون أن تنتهزها، فقد تضيع الفرصة منك إلى الابد إذا تكاسلت.

ابدأ بالتنفيذ السريع وسِر بخطواتٍ ثابتة ولا تخدَع نفسَك فتتخيَّل أنَّك قد استفدت تجربةً ما من البعثرة والوقت الضائع، إن مثَلك في ذلك مَثل من يجمع في خزانته توافه وخرداوات وعملات قديمة لا قيمَة لها. أقدِم بشجاعة الواثق من نفسه، هل تعرف شعور الذي يصعد حلبَة المُلاكمة ليُنازل من هو أضعف منه وأقل وزناً؟ سوق يُلاكم بانشراح وثقةٍ ويشعُر بنشاطه يتدفَّق تدفُّقاً عظيماً. وهل تعرف شعور الطالب الذي يَجِد في ورقة الامتحان سؤالاً سبق أن حَفِظَ إجابته عن ظهر قلبٍ قبل دخوله للامتحان؟ سوف يكتب الإجابة بنشوةٍ وسعادةٍ وسرعة. فأقدِم على عملك بهذا الشعور، شعور الواثق بأنَّه لن يُخذَل ولن يشفل أبداً.

يقول رسول الله ﷺ: «لأنْ يهْدِيَ اللَّه بِكَ رجُلًا واحِدًا خَيْرٌ لكَ من حُمْرِ النَّعم». إن مجرَّد اكتسابك لقلبٍ واحد لله، يزيد شعورَك نبلاً ويملأ نفسك بأشرف العواطف وأشفَّها، عواطف الخير والرحمة والمحبة، ولكنك لن تستطيع أن تستحيل قلوب الناس وتجني صداقتهم إلا إذا جعلت أمورهم موضِع اهتمامك قبل أن تجعَل أمورك موضع اهتمامهم.

كُن عطوفاً عليهم وحدِّثهم عن فضائلهم ومواهبهم وجاملهم وشجِّعهم كُلَّما قاموا بعملٍ ناجح مفيد، وفكِّر في إيجاد حلِّ لمتاعبهم بغير تطفُّل أو نقدٍ لتصرُّفاتهم. وهنا تتجلَّى لباقتُك! إذا وجَّهتَهم الى الحقِّ والخير دون منٍّ أو خدشٍ لكرامتهم وعزَّتهم، فكم من نصيحةٍ صادقةٍ تضيعُ هباءً إذا قيلَت بصراحة قاسية أو بلهجةٍ عنيفة مؤلمة.

إنَّ واجبنا أن نُقدِّر ظروف الغير سهولة ويًسرٍ بلا تعقيد أو مغالاة، نُصادِقهم ونهديهم إلى الرشد ونحترمهم مهما اختَلفت المراكز والدرجات. فقد يأتينا أكبر النفع من أقل الناس مكانة، وقد نَجِد أصفى القلوب وأخلصها في أبسَطِ الناس وأفقرهم.

وهذا الإمام الشافعيُّ رضي الله عنه يضع لنا دستوراً في معاملة الناس فيقول:

إذا شئتَ أن تحيا سليمًا من الأذى … وحظُّك مَوفورٌ وعِرضُك صَيِّنُ

لسانَك لا تذكُرْ به عورةَ امرئٍ … فكلُّك عَوراتٌ، وللناسِ ألْسُنُ

وعينَك إن أبدَتْ إليك مَعايِبًا … فصُنْها، وقل يا عينُ: للناسِ أعينُ

وعاشِرْ بمعروفٍ وسامِحْ مَنِ اعتدى … وفارِقْ، ولكنْ بالتي هي أحسنُ

سابعاً :- أيَّها الشاب المؤمن ..

حكِّم عقلك في غرائزك وغلِّب المصلَحة على العاطِفة وحاوِل ألَّا تفعل في السر ما تخجل أو تخشى أن تفعله في العلانية. فالسيطرة على الأهواء والشهوات والانفعالات هيَ عمود الشخصيَّة الناجحة. يقول الله عز وجل: «وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ». اعرِف عاداتك الضالَّة وتحرَّر منها، واعرِف صفاتك الضارَّة وتخلَّص منها. ولعلَّ كل من فينا يعرف عاداته الضالة وإن كان لا يريد الاعتراف بها، فهي ذاتها العقد النفسيَّة ومركَّبات النقص التي تحاول جاهداً أن تُخفيها عن الناس، ولكن مهما حاولت أن تُجادِل نفسَك وتُقلِّل من قيمة تلك النقائض في نظرك، فإنَّ ضميرك اليَقِظ سيُعارضك رورحك الزاخرة بالخير ستتبلبل، وبذلك ستبقى مضطرب من حين لآخر كثلَّما أحسست بوخزات الضمير وتحلحل الروح.

أمَّا الصفات الضارة التي نعاني نتائجها، فقد حدَّدها عُلماء النفس في ستِّ مصادر هي:

الانفعال والغضب – الضيق والهم – القلق والخوف – الحقد واكراهية – التردد والضعف – الغرور والأنانية

وإنَّ الخطوة الأولى التي توصِلك بالثقة بالنفس هي إقلاعك عن العادة الضالَّة أو الصفة الضارة.

والعلاج الوحيد لانتصارك على نفسك هو في عدم تفكيرك وموازنتك بين العاطفة من جهة والمصلحة في الجهة الأخرى. فلا تدخل في صراع ذهنيِّ وتحليلات، لأنَّ مُجرَّد الدخول في هذه المعركة والتفكير في هذا الصراع من حجج وأسباب وتعليلات ومبررات ومقارنات، كل هذا عبارة عن صراع ذهني ضد عادة أو صفة تكوَّنت وارتَسخت واستحكمت على مر السنين، ونتائجها معروفة لأنها معركة خاسرة. فليس هناك أقوى من سلطان العادة إذا تمكذَنت من النفس. فلا تُفكِّر بالصراع نفسه. أقلِع عن العادة فوراً دون أيِّ تفكير أو كبت، ودون أن تحدث نفسك بذلك ولا تصغِ لحججها البارعة.

اخلَع ثيابَك البالية إلى غير رجعة وتُب إلى الله واستغفر. «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» تطهَّر من نهر التوبة فهوَ نهرٌ صافٍ عظيم يغسِل ما تقدذَم من ذنبك وما تأخَّر وقد بيَّن سبحانه وتعالى أجر التائب: «عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ». «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ». «وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا».

ثامناً :- يا بُنيِّ ..

في استطاعتك أن تبقى شابَّاً مهما تقدَّم بكَ العمر. شابُّ القلب إذا انطبعت بحبر اليقين، شابُّ العقل إذا ثابرت على التفكير في المستقبل بأملٍ مُشرقٍ وأعددتَ خطط الغد دون أن تَقِف طويلاً عند أحداث الأمس. وشابُّ المظهر والصحة والجسم إذا اتَّبعت القواعد الآتية بدقَّة وصبر ونظام، وهي:

1. نم مع الحمل وانهض مع العصفور، ولتكُن ساعات نومِك العميق في حدود ثمانس ساعات، ولا تبخل على أعصابك بغفوةٍ قصيرة بعد الغداء.

2. استَفِد من الهواء والماء والشمس دون إسراف، فلا تعرِض نفسك للشمس المُحرِقة وقت الظهيرة فتضربك الشمس، أما الهواء النقيَّ فيجب أن تتنفَّسه بحيث يدفع الحجاب الحاجز إلى أبعد مكان من البطن، أما الماء فالحمَّام الفاتر في الشتاء وحمَّام الدوش في الصيف.

3- تناول الطعام الذي يحتوي على عناصر التغذيَة الكاملة من بروتينات وفيتامينات وكالسيوم، واعتني بالطبيخ الجيِّد الصحيِّ الذي لا يحوي على الشحم والنشويات والسمن إلا القليل. كذلك الحال بالنسبة للبهارات والمخللات، واحذَر الشره في الأكل الذي يجعلنا عبيد البطون لا نترك المائدة إلَّا ونحن في حالة تخدير.

4- حاوِل أن تقضي إجازة آخر الأسبوع بعيداً عن التفكير في أعمالك ومشاغلك اليومية متفرِّغاً لأي هواية محببة إليك.

5- أدِّ بعض الحركات الرياضية في الصباح من كل يوم، ولتكن حركتك سواء في السير أو في اللعب والرياضة طليقة سهلة متحرِّرة من الملابس والثقيلة المقيِّدة.

6- لا تتوانَ في أن تسأل طبيبك بمجرد شعورك ببوادر أي مرضٍ أو ألم أو ضعف، فكما أن الوقاية خير من العلاج، كذلك العلاج المُبكِّر يغلب أن يقضي على أيِّة علة قبل ان تستفحل فيصعُب علاجها.

تاسعاً :- ولدي الحبيب ..

ارسم لنفسك كل صباح خطَّة لساعات يومك تزيد بها معلوماتك وخبرتك وتحفظ عليك صحَّتك وجسمك وتصونك في الشدَّة من المذلَّة وتربط بينك وبين الناس بصلات الأُلفَة والود والتآخي في الله.

إن حُسنَ استغلالك للوقت وتنفيذك لنظام الفترات القصيرة من يومك ومحاسبتك لنفسك قبل أن تأوي إلى فراشك في المساء، كل ذلك يساعد على تقوية إرادتك فتتطبَّع بعادات إيجابية صالحة وتنتظم أحوالك المعيشيَّة وتسير في طريق الاستقرار والتقدُّم.

إنَّ الحُكماء المعاصرين الذين فهموا معنى هذه الحياة التي نعيشها قالوا أننا أحرار في الـ24 ساعة التي نمتلكها في يومنا إذا عرفنا كيف نفيد منها ونسعد بها، فإذا نظرت إلى الحياة نظرة عمليَّة واقعية، فستجد أن السعيد في الوقت الحاضر هو الذي يستطيع أن يعيش راغداً ينعم براحة الجسد وراحة البال، وهذه هي الراحة المنشودة. وهي لا تتوفَّر لك إلَّا إذا نظَّمت ساعات يومك بحيث تستطيع أن تحصُل في حدود إمكانياتك الخاصة وظروفك الشخصيَّة بيتٍ مريح تجد به فراشاً وثيراً تنام فيه ملئ جفونك. وتجد به ركناً هادئاً منظماً تتسامر فيه مع أهلك وأصدقائك، وطعاماً مُغذّياً يحفظ عليك صحتك ويقوي بدنك، وملبساً نظيفاً يسترك ويحفظ عليك كرامتك أمام الناس، وعملاً شريفاً محبَّباً تكسب منه رزقك وتعين به غيرك، وحريَّة طليقة تُشعرك أنَّك غير مطلوب بشيء يهمُّك أو يحرجك في قول أو عملٍ أو مواجهة. ولعلَّ هذه المطالب الشخصيَّة هي ذاتها التي تستهدفها شعوب الأرض قاطبة لتعيش حياة آدمية كريمة.

عاشراً :- أيُّها الشب الثائر ..

إذا أردتَ أن تنعم حقَّاً بالسعادة في هذه الدنيا فيجب أن تسلُك الطريق إليها، والطريق الوحيد الموصل إلى هذه السعادة يُسمَّى طريق الحريَّة.

الحريَّة التي تملأ وجدانك وتجعلك تشعُر أنَّك غير مطالب بشيء، تفعل كل ما تريد من خير بضمير مرتاح، تعتدَّ بمُثُلِكَ وكرامتك، تنشُر الحقيقة حيثما كانت، ترفع صوتك ضد الظُلم والعدوان، لا تحمِل همَّاً ولا تقلق من تصرف فعلته ولا تخاف من مخلوق مثلك مهما كان ظالماً، متناسياً بذلك الماضي وعثراته سعيداً بحاضرك، ومستبشراً بغدك.

إنَّ الحريَّة الشخصيَّة انطلاق لجميع عناصر القوى الحبيسة، هيَ حريَّة الطيور على أغصانها تفرد أجنحتها متى تشاء وتطير أينما تشاء، وتتغذَّى على ما يُهيّئها لها الله في طريقها. ترَ الحريَّة ببساطتها في الرياضيِّ ومرحه، وفي وداعة الفنَّان وترفعه، وفي ورع المؤمن وسماحته، وفي حكمة العالِم وقدرته، وفي إقدام المجاهد وجرأته.

أمَّا القوانين العامة فهي ليسَت قيوداً للحريَّة بل هيَّ حماية للجماعة من الفوضى، وقد أجمَع الناس على احترامها فأصبحت واضحة مُسلَّمٌ بها. أما حينما تُقيِّدنا تلك القوانين عن حريَّتنا وقناعاتنا الدينية وعبادتنا فالثورة حقٌّ هنا. وإنَّ عبادة الله هي الحريَّة التي يبتغِ للمؤمن تحقيقها.

ولعلَّ أجمل ما يمكن أن أختم به هذه الوصايا كلمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التي وضع بها أُسس كل ثورة من أجل الحريَّة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.