81

عاصفة السكوت

“هذا الانعكاس في عيني ليسَ دمعاً، بل هو أثرُ سيلانها بسبب الرشح”. هكذا كذبتُ على أمي التي دخلت الغرفة لتطمئن عليَّ بعد أن سمعَت عويلاً من الغرفة، تلك الموسيقى التي تُخرج من جهازي هي أشبه بالعويل حقاً.

عصيُّ الدمع مُذعِنُها في هذه الليلة الشتوية، بعيون ضبابيَّة يُراقِب أرواح من عبروا يبحثُ عن طيفٍ بعينِه ولا يجده .. تلاشى .. اختفى .. اضمحلَّ كأن لم يكُن .. واستقرَّت مكانه عاصفةٌ من السكوت .. حلمٌ أشعَره بوجودك، حلمٌ أعادَه إلى رشده، هل هذا حقيقيِّ؟ حلمٌ ذكَّره بجميع تلك الأكاذيب التي قيلَت يوماً .. لن يبكِ ولن يحزَن، سيُراقص الأطياف دونها لحين عودَته للواقع ..

كان يُريد الاحتفاظ بها جميعاً كحالها الأوَّل، بحرارتها ودفئها، بحنوِّها وضوئها، إلَّا أن الحُلم أبى سوى إسقاطه .. ذلك الكمال الناصِع ليس سوى حلم قد انقضى وولَّى ولم يبقَ في أثَرِه شيء. وفي وقتٍ متأخِّر من استيقاظِه اكتَشف أنَّه قد خَسِر طيفَه الخاصَّ .. يسير بحثاً عن طيفِه علَّه يتعثَّر به، أو يهديه أحدٌ ما آخراً بدل ذلك الضائع ..

بالمناسبة .. تلك الدموع في عيني ليست حُزناً، إنَّها نقرات عازِف البيانو على خدِّي الذي ينهمر كالمطر، وأنا أحبُّ المطر، وهذه الليلة مطيرة، والحزن حلوى الشتاء .. ويا إلهي كم يبدو حزني حلواً هذا المساء .. على هذا الطيف أن يُمحى للأبد، وعلى تلك العيون أن تسقُط مع الدمع ..

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.