الفكرة أنك تكون متصالحاً مع وحدتك، تشربان فنجان الصباح وفي لحظات أنس قد تقلبه وتقرأ لك الطالع متمنية لك بداية يوم عادي لا يختلف عن غيره المهم ألا يكون الأسوأ.
مساءً وفي الليالي الباردة، تخلع لك نعليك وتلبسك جوارب صوف، وكلما أزيح اللحاف عن جسدك أعادته دون أن تُقلِق نومك.
الفكرة أن وحدتك لم تكن سيئة، كانت قاسية أحياناً، هذا صحيح، لكنّك قد تآلفت معها وارتحت لها، كما أنّها لم تخذلك ولم تتخل عنك في أحلك ظروفك، حتى في تقلبات مزاجك، حين تتحول إلى شخص لا يطاق، هي تطيقك وتقبّل خوفك لتهدأ.
ثم تتعرف على أحدهم ليُقلِق هذا الانسجام، في البداية تكون واثقاً وترى كل شيء بوضوح، بل قد تعتقد لوهلة أنها المرة الأولى التي تبصر بها. سيحرس هذا الأحدهم أحلامك وكوابيسك، ويطبطب على ندوب روحك بكل ما يحمل الحب من رقة ودهشة وغموض.
ثم يغادر الأحدهم لسبب أو دونما سبب، ثم ستدرك لاحقاً أنهم كلهم يرحلون بلا اسثناء، هكذا هي قوانين لعبتك. ستكتشف أن خطباً ما حل بروحك، ستشعر بالنقص، بالإهانة العميقة، وستسمع صوت الصغار بكل مراحلك العمرية يبكون بالداخل ويصرخون ألماً، بينما تحافظ ملامح وجهك على ثبات زائف وظلّ ناقص.
من فرط سذاجتك أو ربما أنانيتك، ستعتقد أن وحدتك ستكون في انتظارك، ولكنك لن تجد سوى صوت الريح يلاعب الأبواب فتصدر صريراً مزعجا يصم الآذان، ستبحث عنها تحت السرير وراء الستائر وتحت الملاءات والشراشف، ستنادي بأعلى صوتك: أينك؟ وما من مجيب!
الفكرة أنك لن تعود كما أنت آخر مرة، ستعود مثقلاً بخسارتك وفارغاً من كل شيء حتى من وحدتك!
رائع !