طيف

الطَيف

لقد رأيت طيفاً في منزلي ، واثقٌ من هذا ..

كانت تجذِبُني في الماضي قصص الأشباح والأطياف والأرواح التائهة أو حتى تلك الشياطين العاشقة التي تتلبّس الإنسان ، لكنّي لم أؤمِن بها يوماً ، أنا رجلٌ عقلانيّ ، والشيء الوحيد الذي أؤمن به هو المنطِق ، ولا مُنطِقَ في كُلّ هذا .. لكن حدثَ شيءٌ ما غيّر رأيي بالكامل .. أنا واثق أن ما رأيته كانت شيطانَةً عاشقة ..

في إحدى تلكَ الصباحات المُكرّرة ، كنتُ قد انتهيتُ من تنظيف أسناني في الحمّام قبل ذهابي للعمل ، كنت واقفاً أنظُر لنفسي أمام المرآة .. 

أعيشُ في المنزل وحدي ، لذا كانت صدمةٌ كبيرة وردّ فِعل عَنيف عندما رأيتُ الباب يُقتَح على مهلٍ من تِلقاء نفسه .. وقفتُ مدهوشاً ، أحسستُ بتسارع نبضي ، وخرجت من فَمي صرخةٌ ضعيفة .. لم أقوَ على الصُراخ في الحقيقة ، كان الأمرُ مُرعِباً لدرجةٍ لا تسمحُ لي بالصُراخ .. ظهرت من خلفِ الباب امرأةٌ عارية ، ومُشتْ باتجاه حوضِ الاستحمام .. لقد أدركتُ أنها جنّيةٌ ما ، فقد استَطعتُ الرؤيَة من خِلالها ، كانَت طيفاً شفافاً عارياً ..

كنتُ أعتَقد أن الشياطين قبيحين ، وجهُ أحمر مملوء بالكدمات ، أو قرنين يخرُجان من أعلى الرأس ، أو على الأقل عينُ واحدة في مُنتَصف وجهٍ بلا أنف وحاجب .. لكنّها لم تكُن كذلك .. في الواقع ، لقد كانت فتاةً شابّة جميلةً حقاً ! كانَت نحيلة ، مع جسدٍ مُتناسِق جميل ، وشعرٍ بنّي ناعم مُنسَدلٌ على كتفيها ، عيناها بُنيّتان تُشعّان بالحياة .. لقد كانت حقيقيّةً جدّاً .. ليس ما كُنت متوقّعه من شيطانة !

استمرّيت بمراقبة ما تفعله ، لم تنظُر إليّ قطّ ، ولم تقترب منّي حتى ، بل توجّهت فوراً نحو الحوض وفَتحت الماء الساخن وبدأت بالاستحمام .. كنتُ متفاجئاً وغاضباً قليلاً .. أعني ، لمَ هذه الشيطانة في منزلي أنا ؟ من سمحَ لها بالدخول هكذا واستخدام حمّامي !

ناديتها بصوتٍ أشبَه بالهَمس محاولاً التواصل مع تلكَ الكائنة: “مرحباً؟” .. لم تُجب ، ولم تنظُر باتجاهي حتى ، لكنّها قامت واتجهت نحو الخزانة خلفَ المرآه ، حيثُ ابتعدتُ فوراً عنها ومازلتُ أراقِبها .. أخرَجت شامبو من الخزانة وراحت لتغسِلَ شعرها تحتَ المِرَشّ .. انبَعثت من الشامبو رائحةٌ جميلة .. انتبهتُ حينها بأنّي لم أُحضِر هذا النوع من قبل .. من أين حصلت عليه وكيف وصل لخزانةِ حمّامي ؟!

ربما لو خرجتُ من الحمّام وعدت لعاد كل شيء على طبيعته ، لكنّي لم أفعل .. ناديتُ مجدداً ، لكنّها لم تُجب ولم تلتفت لي أيضاً .. لذا قررتُ الاقتراب وهزّها لتنتبه لي ..  كنتُ ما زلت خائفاً قليلاً ، لكنني فُتِنتُ بهذه الروح التي تجلّت أمامي فجأة وتساءلت إذا كان من الممكن لمسها ..

لم يَعُد جسدُها شفّافاً مع لمسي لها ، صارَ صلباً فجأة .. لوهلةٍ توقّفت .. انتبهتُ إلى أنّي صرتُ أرى خلال يدي .. توقّعتُ أن أشعُر بالبرودة جرّاء لمسي كتفها ، كما قرأت مراراً عن أن الموتى باردين .. لكن جِلدها كان دافئاً تحت أصابعي .. ارتَعشتْ أمامي واستدارت تنظُر في الخواء ، وبدأت تفرُك بباطن كفها على الكتف المكان الذي لمستُها منه .. كان جسدي بارداً وليس جسدها ..

خطرت ببالي تلك الفكرة فوراً .. عدت راجعاً نحو المرآة لرؤية وجهي مرّة أخرى .. كانت هناك آثار كدمات على وجهي وزُرقة غريبة حولَ عيناي لم أُلاحِظها من قبل .. أنظُر إلى نفسي مُدركاً للحقيقة ..

لقد رأيت طيفاً في منزلي ، واثقٌ من هذا ..

وأعتقد أنّه أنا ..

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.