Black Mirror

عن إدمان الألم والحُزن والمتحف الظلاميّ Black Museum

Black Mirror مُسلسل بريطاني من 4 مواسم ، تقع أحداثه في المستقبل القريب .. كُل حلقة قائمة بذاتها ذات قصّة وأحداث وأماكن مختلفة ، ولكن اتّفقت جميع الحلقات على وصف طُرق تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا والآلات والتقدّم التقني .. وكل حلقَة نستطيع فيها فتح عدّة نقاشات علمية تقنيّة .. الموسم الرابع كان مُميزاً بِحقّ بعد أن اشتَرت نِت فلكس حقوق إنتاجِه وتوزيعه ..

أكثَر حلقة أعجبتني وتوقّفت عندها كثيراً الحلقة السادسة ذات عنوان Black Museum .. تحكي قصّة الحلقة عن فتاة مُسافرة تَعثُر في طريقها على متحفٍ مهجور ، تدخلُه ليتبيّن لها أنه ليس مُجرّد متحفٍ عاديّ ، هو متحفُ يعرِض الاختراعات التقنيّة المتطوّرة التي تتفاعل مع عقلِ الإنسان وإدراكه ، هي اختراعات لم تلقَ نجاحاً بسبب غرابتها ، ويقوم المُختَرِع مالك المتحف (رولو هاينز) بشرح ثلاث اختراعات للزائرة الغريبة ..

ما يهمّني الآن هو الاختراع الثاني الذي قُدّم للفتاة: في الماضي كان (هاينز) باحِثاً في علم تكنولوجيا الأعصاب توصّل لاختراع جهاز ثوري لاستشعار الألم ، يقوم هذا الجهاز على أساس غَرْس شريحةٍ في دماغ الإنسان الأول موصولةٍ بمجسّات وحساسات يرتديها الإنسان الثاني ، وهكذا عبر برمجيةٍ مُعيّنة الإنسان الأوّل استشعار وإدارك الألم الجسديّ والإحساس الذي يشعر به الإنسان الثاني ..

وهكذا يُقنِع (هاينز) طبيباً ما بتجربة الجهاز كي يستطيع تحديد آلام المرضى وعِلاجِهم بأدقّ وأسرع طريقة .. مع مرور الوقت ، واستمرار العلاج عن طريق استشعار الألم ، يُصاب الطبيب بما يُشبه الإدمان على الألم ، ويُقرر تجربة جميع الآلام والعذابات المُمكنة .. كانت أولى تلك التجارب هي تجربة الاقتراب من الموت بعد أن شعر بها بسبب أحد المرضى ، قرّر تجربة ألمٍ أشدّ من الموت ، فارتدى الجهاز أثناء عمليّة جنسيّة ليستشعر ما تَشعُر به المرأة خلالها .. ووصل الأمر به لضربِ أحد المُشرّدين حتّى الموت ليشعر مرّة أخرى بألم الموت .. بطبيعة الحال ، يُلقى القبض على الطبيب ..

الألم كما تُصوّره الحلق هو شيء جميل جداً ، وقد يُسبب الإدمان ..

كان فيه نقاش مع أصدقائي حول أيّ المَشاعر أجمل ، الفرح/السعادة أم الحزن/الألم ؟

وخلصنا بأن الحُزن هو الأجمل طبعاً !

الفكرة بالموضوع أن الإحساس الداخلي الذي يأتي مع الألم إحساس جداً جميل ، أما الألم بحدّ ذاته ليس جميلاً .. لأنه وبعد استشعار الألم والدخول بمرحلة الحزن يكون الإنسان قادراً على الإبداع أكثر بكثير من الفرح .. فعليّاً أكثر شُعورين يُحركان مشاعر البشر ويُخرجان إبداعه هما الحزن والحب ، أما السعادة فليس لها دخل بالإبداع .. لِنَصل لاستنتاج أنّه مامن شاعر أو كاتب أو صانِع محتوى “إبداعي” وإلا والحزن جزء لا يتجزّأ من حياته .. ولنأخذ نزار قباني كمثال وقارنوا بين أي عمل يحكي عن فرحه بلقاء حبيبته وبين قصيدة بلقيس التي قالها في رثاء زوجته .. بالتأكيد قصيدة بلقيس هي أعظم أعماله بلا شكّ لأنه ببساطة كان حزيناً عندما كتبها !

وصدق فعلاً مظفّر النواب حين قال: “الحزن جميلٌ جداً ، والليل عديم الطعم بدون هموم” ..

اشتراك
إشعار إلى
guest
0 Comments
الأقدم
الأحدث الأعلى تصويتاً
تعليقات مضمنة
رؤية جميع التعليقات

تواصل معي

لأن كل مشروع عظيم يبدأ برسالة، أرسلها الآن، وسأقوم بالرد عليك بأسرع وقت.